من هو أبونا يسطس الأنطونى ؟
يقول أبونا متى الأنطونى : " فى ديسمبر 1972 م قال لنا ابونا يسطس : " والدى أسمه المقدس شحات وكان يعمل ترزياً فى زرابى دير المحرق وأنا كان اسمى " نجيب "
فقلت فى نفسى هذه المعلومات قيمة قد نحتاجها فيما بعد , فتوجهت إلى قلايتى , وكتبت هذه المعلومات قبل أن أنساها , ولما عدت إليه قال لى ابونا يسطس : ط يا أخى عملت أيه ؟ .. إنت عملت أيه ؟ " فقلت : " أبداً .. أنا .. " ولم يدعنى أكمل حديثى وقاطعنى قائلاً : " إنت عملت أيه بس .. ما تكتب حاجة عن الأنبا انطونيوس تفيد الناس "
الشماس يسطس والكتب المقدسة : يقول الأب القمص أبسخروس الأنطونى : " أن الراهب يسطس النطونى كان يحفظ رسائل القديس بولس حفظاً جيداً , فيردد أجزاء كبيرة منها دون الإستعانة بالكتاب المقدس , وكان أيضاً يحب قراءة الإنجيل باللغة القبطية التى أجادها قبل إنخراطه فى سلك الرهبية , وتعلمها فى بلدته زرابى الدير المحرق , وهى لا تبعد عن هذا الدير كثيراً .
ويقول أيضاً : " إن ابونا يسطس كان يحب كثيراً مطالعة سيرة الأنبا انطونيوس , كما كان لا يقرأ من الكتب الأخرى سوى كتب الميامر , ويطالعها فى مكتبة الدير . "
الصوم فى حياة القديس يسطس الأنطونى : الصوم فى الكنيسة القبطية أكثر من ثلثى السنة بعضه أنقطاعى وبعضه بدون أكل اللحوم أو منتجاتها أى البقول فقط , والبعض البقول والأسماك , أما ابونا يسطس فهو راهب سار على طريقة الرهبنة القديمة فكان فقيراً فى مأكلة لم يكن نهماً ولم يأكل لحماً مطلقاً طيلة رهبنته ...
وكان كثيراً ما يتأخر فى الذهاب إلى مخزن الدير ليأخذ المـــرس ( والمرس كلمة يونانية هو نصيب الراهب اليومى من الطعام ) وكان يأخذ قليلاً من طعامه وهذا القليل كان يأخذ منه قليلاً ويعطى الباقى إما للعمال أو يفيد به القطط , وكان يأخذ طعامه ويجلس مثل العمال ويأكل طعامه تحت شجرة كأفقر الناس .
وكان اكلته المفضلة هو الخبز المتساقط أو بواقى اكل الرهبان الذى كان يجمعه الرهبان ويعطوه إلى الماعز فكان يجففه ويبلله بالماء وياكل القليل منه عندما يجوع بعد أصوامه الطويلة , أما الوجبة الغذائية التى كان يعدها تتكون من الردة والملوخية الناشفة ويخلطها بالماء مع كسر من الخبز وبصلة , وكان يضع هذه الخلطة فى إناء من الفخار ويتركه لليوم التالى وكان كثيراً ما يتعفن فكان يغصب نفسه ويأكله . وكان يأكل فولاً مسلوقاً (يطلق عليه فول نابت ) وكثيراً ماكان يأكله قبل أن ينضج .
المال وابونا يسطس وفقرة الإختيارى :
** لم يحتفظ الراهب يسطس الأنطونى بأى نقود فكان يتخلص من مرتبه الذى يأخذه فى الدير ويقول ابونا أبسخرون : " كان لدى مبلغ من المال هو مرتب ابونا يسطس وقرب نياحته طلب منى أن اسلمه إلى رئيس الدير القمص أثناسيوس فغشترى به ابسطة للدير "
** كان يلبس ثياب بالية وحذاء ممزق عملا بقول رب المجد لا يكن لكم ثوبان , وحدث أن فتاة مرفهة من عائلة غنية زارت الدير يوماً فى صيف 1977 م , وكانت قد سمعت عن القديس يسطس الأنطونى ولما رأته فى ثيابه أشمازت , واشاحت بوجهها عنه غذ أختقرت ملابسه الرثة , ولكن لم تنتهى الحادثة لأن الفتاة ذهبت مع باقى الزوار إلى الكنيسة عند رفع بخور عشية .. شاهدته فى حالة اتضاع بهية ورأته بمنظر بهى فصاحت بأعلى صوتها بدون وعى : " الله ... ريحة بخور ... ريحه بخور ... ابونا شكله حلو " وتغيرت هذه الفتاة تماً لأن الرب يسوع فتح عينها عن كان مخفياً وراء مظهر أبونا يسطس واسرعت الفتاة لتعترف بأفكارها لأبونا يسطس ولكنه أختفى فى الدير .
قلاية أبونا يسطس :
** يقول الأب القمص أبسخروس الأنطونى : " كانت قلايته تنطق بمدى زهد ابونا يسطس , فهى مبنية من الطين , وسقفها من الجريد , وتتكون من حجرتين متداخلتين , ويمكن لأى إنسان أن يدخلها لأنها كانت بلا أبواب ولا نوافذ , وكانت مرتعاً سهلاً للهوام .
ويضيف قائلاً : " لم يكن فيها وسادة أو مرتبه ينام عليها , وكان هناك حصيرة قديمة ( الحصير نبات مثل الحلفا يجفف سيقانه وتضم ببعضها البعض بواسطة خيوط ) وكل شئ موضوع على الرض حتى الطعام , فترى خبزاً يابساً , وطماطم جافة , بعض الملح والفلفل .. إلخ حتى تظن أنك فى مكان مهجور . "
ويقول أيضاً : " ليس فى القلاية شئ ذو بال سوى ألبصلمودية السنوية , والأبصلمودية الكيهكية ( طبعة إقلاديوس لبيب ) , ومن قلايته كان ينبعث نور وشاهدة البعض دليل على قداسة ساكن المكان , وقد هدمت قلايته فى التعمير الحديث للدير , وكانت تقع قرب الحصن والمائدة القديمة .
وقال العلامة الأرثوذكسى المتنيح الأنبا أغريغوريوس عن أبونا يسطس الأنطونى كمثل للسواح (عن عظة لنيافة المتنيح الأنبا غريغوريوس بتصرف ( تسجيل 158 - 159 ) : " المرحلة السادسة تسمى مرحلة السياحة , ومرحلة السياحة لها معنيان : معنى جسدانى , وأيضاً معنى روحانى , المعنى الجسدانى هو أن يصير ( الراهب ) فى مرحلة , وتطور روحى لا يرتبط فيه , لا بالقنية , ولا بالمكان , بمعنى أنه من كثرة زهده فى كل شئ بحس انه لا يملك , يفقد بالتدريج إحساسة بالأقتناء , أو أهتمامة بالأقتناء , فيصبح لا شئ له على الإطلاق , شفت أنا فى دير الأنبا انطونيوس راهب , علمت اخيراً أنه تنيح , أسمه ابونا يسطس على ما ـذكر , هذا الراهب غريب ... قلايته لا تجد فيها شيئاً , قاعد على الأرض , ليس فيها كرسى , ليس له شئ على الإطلاق , ليس له كباية , ليس له طبق , ليس له حاجة أبداً .. أبداً , ولا حتى صورة .
أنا أستغربت .. زى ما يكون ايوب الصديق , قاعد على كومة , قاعد على الرتاب , ليس له سجادة , ليس له حاجة أبداً , كان شيئاً غريباً جداً أن الواحد يشوف راهب فى القرن العشرين يمارس هذا النوع من الحياة القاسية , وأنه لا يملك شيئاً , فى القلاية بتاعته لا شئ إطلاقاً , أكثر من أنى شفته قاعد على التراب أهو ده اللى بيمينه الجماعة اللى فى مرحلة السياحة , أنه ينحل منه الإرتباط فى الأقتناء , وليست له رغبة إطلاقاً فى ان يقتنى شيئاً ويدوس على هذه الناحية , ويتطور شيئاً فشيئاً , لغاية ما يصبح ليس له شئ , ولا يملك شئ , ولا يهمه أن يأخذ , أو ما يأخذ شئ , أو يعطى إطلاقاً يعنى هذه الناحية ماتت تماماً "
خلافة مع أميــن الديـــر : يقول القمص إبسخرون الأنطونى : " ابونا يسطس لا زم الدير طوال حياته الرهبانية , ولم يبرحه سوى مرة واحدة , حيث أضطر إلى ذلك نتيجة لخلاف حاد مع أمين الدير فى عام ابونا يسطس الانطونى تقريباً , فتوجه إلى الدير المحرق , ثم تركه إلى عزبة دير النبا انطونيوس فى بوش بمحافظة بنى سويف ومكث هناك فترة قصيرة , وبعدها قرر السفر , فطلب منه ألاباء أن يعرفهم بالمكان الذى سيستقر فيه , ولكن ابونا يسطس لم يعرف إلى اين يذهب فأجاب ببساطة : أنه سيذهب إلى محطة القطار , وسيستقل أول قطار يصل إليها , فإذا كان متجهاً إلى بحرى فسيذهب إلى بحرى وإذا كان متجهاً إلى قبلى فسيذهب إلى قبلى "
وأتى القطار , وكان متجهاً إلى القاهرة , فإستقله , ثم سافر إلى الزقازيق , واقام هناك عند شقيقة الكبر الذى كان يعمل بمصلحة السجون , وتقابل هناك مع كاهن تلك البلدة المتنيح القمص اندراوس البهتيمى ورحب به , ثم عرض عليه الرجوع غلى الدير , فقبل على الفور , وتوسط فى الأمر أحد الاباء الساقفة , وعاد الراهب يسطس إلى ديره , وكانت مدة غيابه عن الدير لا تتعدى بضعة اشهر "
** وكان موقفه قوباً من أحد رؤساء الدير السابقين للدير بعد أن نال درجة كهنوتية كبيرة , ولكن أبونا لم يعترف بذلك وكان يقول : " فلان هوه فلان , وإن كان أخذ تلك الدرجة فهو لا يستحقها , ولا بد أن تزول عنه " والعجيب إنه ظل طول حياة ذلك الإنسان , وهو مصر على عدم إعترافه بتلك الدرجة الكهنوتية ( ويقول كتاب القديس يسطس أنه كان نيل ذلك الرئيس للدرجة الكهنوتية عن طريق السيمونية , الناشر )
+ لما يحتفظ أبونا يسطس بأى مال لنفسه وعندما كان سيسافر لحضور جنازة فأعطوه 20 جنيه وفى المحطة أعطى عشرة جنيهات لفقيرة طلبت منه وقابل آخر فأعطاه 10 جنيهات وركب القطر بلا مال فطلب من المحصل مال بدل التذكرة فقال له نشكر ربنا فأخرجه المحطة التالية لعمل محضر له وفيها تعطل القطار بلا سبب فنى للعطل لفترة طويلة ثم نزل أحد الركاب ونصحهم بارجاع الأب الراهب فهزأوا منه ولكنهم لما لم يجدوا عطلاً أضطروا أن يركبوه القطار فتحرك القطار فورا.
يخدم نفسه ويخدم الآخرين واعماله الشاقة فى الدير: وكان ابونا يسطس قوياً بالرغم من نسكه الشديد فعاش يخدم نفسه ولم يحتاج إلى أحد لخدمته عندما كبر فى السن , وكان يجلب الماء من العين ويرفض مساعدة أى راهب له , وكان يجلب الماء لبعض الآباء الرهبان ويخدم المرضى وكل من يسأله , وقد خدم الأب مكسيموس ويحض له الطعام والماء وأهتم بجميع إحتياجاته لأنه لم يكن ضريراً فحسب وإنما كان مقعداً أيضاً , ومن محبته له أنه كان يسرع إليه بمجرد الإنتهاء من القداس ليعطيه لقمة البركة .
أما من جهة أعماله فى الدير فيقول السيد / أنور تالوت : كان أبونا يسطس يشارك بمجهود شاق ولم يلاحظه الاباء الرهبان ففى أثناء عصرهم للزيتون لأستخلاص الزيت منه , فكان يشارك فى نقل الحطب والبوص والزيتون , ويساعد فى إدارة حجر الطحن , وعنما كان العاملين والرهبان يتعبون كان يقود الدابة حتى يتم العمل فيستريح .
وبعد نياحته عند قيامنا بأعمال عصر الزيتون , تعبنا وتعب الرهبان وجلسنا نستريح , ولكننا تذكرنا أبونا يسطس واعماله فى عصر الزيت فقال جميع ألاباء الرهبان فى صوت واحد : " أذكروا يا آباء ابونا يسطس " وقاموا جميعاً إلى حيث جسد القديس يسطس الأنطونى وعملوا تمجيداً , ثم رجعوا بجد ونشاط ليكملوا النقص الذى تم بفقدهم القديس يسطس الأنطونى "
محبته للزائرين : ورغم فضيلة الصمت والسكوت الذى تميز بها أبونا يسطس إلا أنه كان يفرح بزوار الدير فكان يسرع للقائهم بمجرد أن يسمع رنات جرس بوابة الدير , ويستقبلهم بوجه بشوش بالفرح والترحاب ويصحبهم إلى القصر ويجلس معهم وكان لا يتكلم مع احد منهم , إلا أنه يمكنك أن تلاحظ سعادته مرسومة على أبتسامته الرقيقة وعينية التى تشع نور الحب , وعند إنتهاء زيارتهم كان يخرج ليودع زوار الدير فرداً فرداً , كأن يعطيهم طمأنينة وسلاماً فى طريق العودة .
** وكانت له طريقة غريبة فى نصح الزوار القادمين ليستشيروه فى مشاكلهم وضيقاتهم فقد تعود زوار الدير من الذين عندهم مشاكل أن يجلسوا بجواره فى صمت , ويعيدون ما حدث أو ما قابلهم فى عقلهم , ويفكرون فى موضوع مشكلتهم أو مشروعهم أو خطاياهم أو ضيقاتهم .. إلى آخرة مما يقابل بنى البشر , وبعد مضى بعض الوقت ينظر أبونا يسى نظرة عميقة إلى صاحب المشكلة نظرة عميقة قوية , ثم يقول آية أو كلمة هى تكون مفتاح لحل مشكلتك أو ضيقتك كأنه يرى ما وراء الطبيعة والمادة .
وحدث أن ذهب إليه أحد الأساقفة وكان فى حيرة من أمره , وألتمس الإرشاد الصامت من هذا الراهب البسيط , وبعد فترة صمت تكلم الراهب الصامت قائلاً : " من يضع يده على المحراث لا ينظر إلى الوراء " فتعجب الأب الأسقف لأن ابونا يسطس أعطاه حلا لمشكلته بإلهم الروح القدس .